الشيخ حميد بن عبد الله الأحمر.. العيش في جلباب الوالد
يطلق عليه حريري اليمن؛ فقد استطاع الجمع بين السياسة والتجارة، وزاد على ذلك مكانته الاجتماعية الكبيرة، من خلال تمسكه بثوابت ومبادئ القبيلة المبنية على القيم والأخلاق, رغم صغر سنه إلا أنه استطاع أن يخطوَ خطوات كبيرة في شتى المجالات، سواءٌ منها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية, وأصبح له ثقله السياسي والاجتماعي في اليمن؛ يتعهَّد بالسير على نهج والده الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، رحمه الله، واقتفاء أثره, يدعو إلى ترك الصراعات والثأرات بين قبائل اليمن المختلفة، ويحثُّهم على العمل على ما فيه مصلحة أمن واستقرار البلد.
مؤخرًا قمتم بانتخاب رئاسة البرلمان وعضوية هيئته، وكانت النتيجة فوز الراعي رئيسًا، والشيخ حمير والشدادي وعطية لعضوية هيئة المجلس.. ما تعليقكم؟
لائحة مجلس النواب تحتِّم أن يتم إعادة الانتخاب لهيئة الرئاسة لمدة سنتين، وكانت قد انتهت هذه الفترة في 13 من هذا الشهر، إضافةً إلى هذا فإن غياب الشيخ عبد الله- رحمة الله عليه- استوجب إعادة الانتخاب، وإن الشيخ عبد الله بحجمه وتاريخه الكبير كان يحظَى بإجماع جميع الأحزاب، بغض النظر عن أنه رئيس أحد أحزاب المعارضة وأن الأغلبية في المجلس للحزب الحاكم، فكان الطبيعي أن تصعِّد النتائج التي أفرزتها الانتخابات بشخصٍ من حزب الأغلبية، وبهذه الحالة يكون اللواء يحيى الراعي رئيسًا، ولهيئة رئاسة المجلس صعَد الشيخ حمير، وكان الحائز على أكبر الأصوات، وأكبر من الأصوات التي حصل عليها يحيى الراعي؛ بحكم أن المعارضة أيضًا أجمعت عليه؛ فالإجماع الذي كان عليه الشيخ عبد الله رحمه الله في رئاسة المجلس حصل هذه المرة أيضًا من قِبل المعارضة على مرشح من الحزب الحاكم، وهو الشيخ حميد لشخصه، وحاز على المرتبة الأولى.
هل ترون أن دوركم كأحزاب معارضة سيختلف عما كان عليه بالسابق بعد تولِّي رئاسة المجلس الحزب الحاكم؟
لن يختلف الدور؛ لأننا في النهاية كعمل شوروي تحكمه حاجة البلاد، والنقاش في القاعة، وكان الشيخ عبد الله في هذا المكان لا يتعامل بحزبية، وإنما يتعامل بحيادية.
ونأمل من قيادة رئاسة المجلس الحالية أن تغلِّب الجانب الوطني؛ حتى يكون مجلس نواب قادرًا على القيام بدور مهم، وخاصةً في المسائل المهمة التي يمرُّ بها اليمن.
صعود شقيقك الشيخ حمير كنائب أول في رئاسة المجلس.. هل ترى أن ذلك سيُوجِدُ توازنًا؟
لا شك أن الشيخ حمير وإن كان في المؤتمر الشعبي العام، إلا أنه يفهم المكانة التي يكنُّها له الجميع من فئات المجتمع اليمني والجميع من التنظيمات السياسية في مجلس النواب، وإن شاء الله سيكون له دور إيجابي في إحداث هذا التوازن، وإن شاء الله بقية هيئة الرئاسة سيكونون مدركين أهمية وجود التوافق وخدمة البلاد أكثر من تمثيل هذا الحزب أو ذاك.
كيف أقدمتم على طرح مرشح للقاء المشترك وأنتم تعلمون أن أغلبية أعضاء المجلس ينتمون للحزب الحاكم؟
مبدأ المنافسة لا بد أن يُرسُى, وساهمنا في ترسيخ مبدأ المنافسة.
هل ترى أن مجلس النواب سيؤدي دوره على أكمل وجه؟
لنا في هذا آراء من السابق، ومفادها أننا لن نختلف.
بمناسبة ذكرى أربعينية الفقيد الكبير الشيخ عبد الله، رحمه الله، ما الأثر الذي تركه فقيد اليمن والأمة العربية والإسلامية بعد رحيله؟
نحن تجنَّبنا في وفاة الشيخ عبد الله، رحمة الله عليه، أيَّ فعل يكون فيه خروجٌ عن إجماع الأمة كأمة مسلمة، وبالتالي تجنَّبنا شيئًا اسمه الأربعينية؛ لأنها لا أصل لها في الدين، حتى الاحتفال الذي تم كان حفلاً تأبينيًّا، وبالتالي أنا أؤكد ومن خلال (إخوان أون لاين) أن ذكرى أيّ عزيز يجب أن ترتبط بالالتزام بالسنة وبالشرع الحنيف الذي لا يوجد فيه شيء اسمه أربعينية، ويمكن أن يُحتفى بأي عزيز من خلال احتفالات التأبين التي ترتبط بيوم معين.
أما ما تركه الشيخ عبد الله من أثر، فقد لُمس بوضوح خلال التشييع الرسمي والشعبي الكبيرَين، والذي عبَّرت من خلالهما الأمة العربية والإسلامية عن تأثُّرها برحيل هذا الرجل، الذي كان يسد أماكن كبيرة، ويبذل وجاهته ووقته وقدراته في خدمة قضايا الدين والوطن، وبإعانة المحتاجين من الناس بقدر ما يستطيع، وهذه من المعاني التي فُجع الناس من أجلها بغيابه، والتي يأملون- بإذن الله- أن يهيِّئ الله مَن يستطيع أن يسدها ما أمكن.
بعض المراقبين يرون أن توازن اليمن قد يختل بعد رحيل رجل التوازنات.. ما تعليقكم على ذلك؟
نسأل الله أن يجنِّب البلاد أيَّ اختلال وأية فتن، وأن يحكِّم الجميعُ العقلَ ومصلحة البلاد، وندعو محبي الشيخ عبد الله إلى أن يتمثَّلوا القيم والمبادئ التي سار عليها، وأن يحاولوا الاقتداء به، وهي جزء من موروث قيم أي زعيم إسلامي يفهم واجباته كمسلم أمام الله سبحانه وتعالى ثم أمام شعبه.
كيف ترون مستقبل اليمن وعلاقاته الخارجية في ظل غياب من عاش محافظًا على أمن البلاد واستقراره وتوطيد علاقاته الخارجية؟
اليمن دولة مؤسسات يجب أن تقوم المؤسسات فيها بدورها، وإذا رحل عظيم يجب أن يسدَّ الناس مسدَّه، وأن نؤصِّل المنهاج الطيب ليكون منهجًا يسير عليه مَن هم بعده إن شاء الله.
كان للشيخ عبد الله رحمه الله دور كبير وبارز في تحسين العلاقة وتوطيدها بين اليمن والمملكة العربية السعودية. كيف تنظرون إلى ما ستكون عليه العلاقة مستقبلاً؟ وهل ستقومون بدور الوالد؟
العلاقة بين اليمن والمملكة العربية السعودية علاقة مهمة جدًّا؛ فهي أهم علاقة تربط اليمن بغيرها من البلدان المحيطة، وأعتقد أيضًا بالنسبة للمملكة تعتبر أهم علاقة بينها وبين جيرانها بحكم التداخل الكبير بين الشعب اليمني والسعودي, وبفضل الله- سبحانه وتعالى- كان للشيخ عبد الله دور جيد في "تمتين" عرى هذه العلاقة، وتفعيل علاقاته الشخصية الطيبة مع الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية؛ لتحقيق ما فيه خدمة الشعبين، وقد أسَّس لبنات طيبة، وقيادة الشعبين والبلدين حريصتان كل الحرص من خلال ما نسمعه ونلاحظه في الخطاب السياسي للبلدين.
وبالنسبة لنا كأبناء الشيخ عبد الله لن نألو جهدًا في أن نقوم بدور الشيخ عبد الله أو بشيء من دوره ما أتيحت لنا الفرصة، فكان خير جلب للبلدين، وإن شاء الله نستثمر علاقاتنا أيضًا بإخواننا وأبنائنا في المملكة العربية السعودية وقيادتنا في الجمهورية اليمنية في تحقيق خير البلدين ما استطعنا إن شاء الله.
قبل أسبوعين تم تقليد الشيخ صادق منصب المشيخة خلفًا للوالد رحمه الله.. كيف وجدتم تفاعل مشايخ وقبائل اليمن في ذلك؟
تفاعل طيب جدًّا، وصاغوا لوحةً من الوفاء الكبير لفقيدهم الشيخ عبد الله، وأظهروا التفافًا منقطع النظير حول نجله الأكبر وخليفته الشيخ صادق حفظه الله، الذي يعرف الجميع مزاياه الكبيرة وقدرته الطيبة على أن يتولَّى مهام المشيخة لهذا المستوى الكبير الذي تركه الشيخ، رحمة الله عليه، وهم أكدوا أن القبيلة في اليمن واعية وحاضرة؛ تضغط في استمرار دعم الدور القوي في حماية الوطن والدين ومكتسبات الوطن والحفاظ على تاريخ النضالات الذي كان لأبناء اليمن كافةً وأبناء هذه القبائل خاصةً دور جيد في صياغته.
كيف تقيِّمون تجاوبَ وتفاعلَ مشايخ اليمن وقبائلها في دعوة الصلح العام وترك الثأر والصراعات التي دعوتموهم إليها أثناء تشييع فقيد الوطن الشيخ عبد الله؟
ما وجدنا منهم إلا كل ترحيب، وكما تعلم أنه خلال حفل تنصيب الشيخ صادق حفظه الله طرح قضية الصلح على مشايخ وقبائل حاشدة، فرحَّب بها الجميع والتزموا بها وقبِلوها، ولكبر عدد مشايخ وقبائلها كان هذا محفِّزًا من جانبهم لغيرهم ليسيروا على ما ساروا عليه، وبإذن الله نرى تحقُّقَ مثل هذا الأمر، ونرى أن دعوة الصلح قد حازت على تنفيذ فعلي.
وقد عُقدت اليوم العديد من اتفاقيات الصلح، بناءً على هذه الدعوة في كثير من المحافظات، وإن شاء الله سيُعلن عن النتائج التي قد تم عملها خلال فترة وجيزة من الآن.
ما الدور الذي يمكن للقبيلة فعله للإسهام في تحسين الوضع الحالي للبلد وتحقيق أمنها واستقرارها؟
القبيلة جزء من المجتمع، وأفرادها جزء من الشعب، وعليهم أن يتعاونوا على البرِّ والتقوى والخير، ويساندوا كل عمل طيب وخير، ويساهموا في رفع كل ما فيه مساس بالدين والوطن ووحدة الاستقرار وأمن البلاد، وهذا ما قامت به القبيلة بكل المراحل، وإن شاء الله يكون المستقبل مع إدراك كبير من قِبل القبيلة من تغيرات الوضع وأهمية أن يكون أبناء القبائل متعلمين؛ يأخذوا بعلوم العصر ويستفيدوا منه، مع اعتزازهم بالموروث القبلي الطيب، ويضيفوا العلم إلى هذا الموروث؛ حتى يمكن أن نبنيَ بلدنا جميعا بناءً يتلاءم واحتياجات الواقع والوضع.
هل هناك من تعاون بينكم وبين الجهات الرسمية العليا في العمل على إحداث الصلح العام واحتواء الصراعات القبلية داخل اليمن؟
لا شك أن هناك ترحيبًا وقبولاً وتشجيعًا من القيادة السياسية، متمثَّلة في فخامة الأخ رئيس الجمهورية، وهذا ينسجم مع دعواته المتكررة لإنهاء المشكلات والثأرات بين مختلف قبائل اليمن، وأيضًا يدعم جهود الدولة في تقليص المظاهر المسلَّحة في المدن؛ لأنه مع انتهاء حمل السلاح ستنتهي هذه المشكلات، والصلح مدخل من المداخل التي تؤدي إلى أن يأمن الناس على أنفسهم، ولن يحتاجوا إلى أن يحملوا السلاح إذا ما أمنوا على أنفسهم.
برأيك.. ما السلبيات التي يمكن أن تُحدثها الأزمات والحروب والصراعات والثأر بين مختلف القبائل اليمنية؟
أمر مؤلم، وتضيع فيه الدماء والحقوق والجهود، وبدلاً من أن يتعاون الناس على البناء ينشغلون بالخوف على أنفسهم من ظلم البعض، وهذا يعطِّل كل القدرات، ويفوِّت فرص النماء والبناء السليم، وإن شاء الله يتغلَّب أبناء اليمن على مثل هذه العادات، وتساعدهم الدولة في ذلك على إيجاد نظام قضائي ناجح وفعَّال، وجهاز أمني فاعل وكفء، ويتعاون مشايخ القبائل وأعيان الناس على إنهاء المشكلات الحاصلة حاليًّا، وتكون الدولة والخيِّرون سندًا لهم.
كان للشيخ عبد الله رحمه الله دور كبير في خدمة قضايا الأمة عامةً، لكن أين يكمن دوره في خدمة الشباب وحفَّاظ القران الكريم خاصةً؟
ما كان الشيخ عبد الله يتغيَّب عن أي حفل يُدعى إليه ليدعمه أو يرعاه لحفظ القرآن الكريم، وكان يرعى نيابةً عن نفسه وأحيانًا نيابةً عن فخامة الرئيس، احتفالاتِ جمعيات القرآن ودُور القرآن في كثيرٍ من الفعاليات والمناسبات، كما أنه كان دائمًا منحازًا للعلم، مساندًا للتعلُّم، وكان جزءًا من منظومة الدولة وأحد رجالاتها الذي تفاهم فهمًا إيجابيًّا في صياغة قوانين البلاد، ومنها ما يرعى التعليم، وساهم من خلال مواقعه التي تقلَّدها على أن يحظى أبناء اليمن بفرص طيبة من العلم، وأن يكون العلم متاحًا للجميع، وهو الذي عاش فترات الحرمان مثل كثير من أبناء عصره في ذلك الوقت، وتعب كثيرًا حتى تعلم، ووفقه الله أن يأخذ العلم من منابعه من كبار العلماء؛ فكان علمًا قويًّا، وبالتالي كان يدرك معنى العلم والعلماء ويشجع أبناءه وأبناء اليمن بشكل كامل على السير في هذا النهج.
كيف تقيمون واقع الشباب اليوم؟
الشباب هم أمل المستقبل وهم رجال الغد ومن يتلقَّون العبء عن الجيل الموجود حاليًّا، وهم الأمل بعد الله سبحانه وتعالى في أن تنهض اليمن وتحقق القفزات الكبيرة، وهم المعنيون بجهود آبائهم والجيل الأكبر بهم جهود البناء، إنهم هم من سيرثون مثل هذه الدولة وبنيانها ويحتاجون منا جميعًا إلى رعاية وإلى جهد، سواءٌ الأسرة أو المجتمع أو الدولة؛ فهم أمانة في أعناقنا، وعليهم أن ينصرفوا إلى الجد والاجتهاد والتحصيل العلمي الطيب، ومعرفة الواقع، وأن يشعروا أنهم قادرون كغيرهم من الشباب في العالم أن يكون منهم المخترع ومنهم المهندس والطيار والعالم، وهذا كله في إطار التزام بثوابت الشرع وديننا الحنيف، الذي يشجِّع على العلم ويرعى العلماء.
أيضًا يظل الاعتزاز بالهوية اليمنية التي تميزهم عن غيرهم من شعوب العالم، هذا الشعب العريق الضارب في أعماق العصور ووضعهم اليوم يحتاج إلى جهد كبير، وعلى الجميع أن يعتني بهذه الفئة المهمة.
بم تفسرون ما يحدث مؤخرًا في غزة؟ وكيف تقيِّمون موقف الشعوب العربية وحكامها في فك الحصار؟
ما يحصل الآن في غزة أمرٌ مخجلٌ ومخزٍ؛ من حرب شعواء على إخواننا الفلسطينيين المحاصرين في هذا المكان الغالي على قلب كل مسلم، وهو يدل على مستوى الهوان الذي وصل إليه العرب والمسلمون؛ بسبب تفرقهم وتشرذمهم، خاصةً أن هذا يحدث في ظل تصفيقهم للمحتل ومن يدعمه، خصوصًا الولايات المتحدة، التي كان يفترض من خلال موقعها الكبير في العالم أن تكون أكثر إنصافًا، وأن تتمثل المبادئ الدولية للعدالة والمساواة بين الشعوب والناس، والتي تضع نفسها كمدافع عنها، إلا أنها فيما يتعلق بفلسطين وشعبها يختلُّ لديها هذا المبدأ وأيضًا بعض القضايا الأخرى المتعلقة للأسف بالعرب والمسلمين, وما دمنا متشرذمين فيسهل أن يحدث فينا ما يحدث الآن.
إن إخواننا في غزة وفلسطين عمومًا ضربوا لنا مواقف عظيمة في الصبر والثبات، ونسأل الله أن يخفِّف عنهم ويرفع الحصار عنهم، وأن يهدي قيادة المسلمين وأبناء الأمة العربية والإسلامية، وأن يقفوا وينصروا إخوانهم بما يجب عليهم؛ حتى لا يسألنا الله عن تخاذلنا عن إخواننا في فلسطين.