معالم الصورة الحضارية في اليمن القديم

الرئيسية  /  عن اليمن

معالم الصورة الحضارية في اليمن القديم
الساعة : 19:17
4 مارس 2022

اليمن من بلدان الحضارات القديمة، إن لم تكن أقدمها جميعا، مثلها مثل حضارة بلاد الرافدين في العراق، وحضارة وادي النيل في مصر والسودان، وكذا حضارة الهند والصين واليونان، مع الإشارة هنا إلى أن هذه البلدان وجدت من الاهتمامات الأثرية وعلم الحفريات ما لم تحظ به اليمن أبدا، فاليمن تعتبر بكرا حتى الآن، ولما تكتشف بعد، مع أن ثروتها الآثارية تُعتبر من الثروات القومية والسيادية التي لا تقل أهمية عن ثروة النفط والغاز والأحجار الكريمة.

 

وحين نقول أن اليمن من بلدان الحضارات التاريخية العريقة، فإن السؤال المشروع على الفور يضع نفسه: وما معالم هذه الصورة الحضارية؟ فيمَ نلمحها؟ وأين تكمن؟!

 

أقول: يعتقد كثيرون أن الحضارة اليمنية أم الحضارات جميعا، مستدلين بعدد من الشواهد التاريخية والعلمية التي تسند آراءهم، ونعتبرها كذلك بحق، فالإنسان الأول لعله قد وجد في الجزيرة العربية قبل مئة ألف سنة كما يرى المؤرخ الشماحي؛ حيث يقول: "ولقد كان نهر الدواسر من أعظم أنهر الجزيرة، ينبع من جبال اليمن الشرقية والشمالية مارا بالأحقاف، منحنيا نحو الشمال، مخترقا الربع الخالي إلى شواطئ الخليج العربي . وذلك يجعلنا نفترض أن الإنسان الأول الحق قد وجد في الجزيرة من قبل مئة ألف سنة، وبدأ يضع براعم المجتمع الإنساني ونُظمه البدائية، ويفكر ـ فيما نتخيل ـ في التفاهم إلى جانب الإشارات بأي لغة وواسطة، وفي سن قواعد فجة للعلاقات الاجتماعية... تكونت أول أسرة وجماعة فقبيلة فأمَّة لها شرائعها وعاداتها وأساطيرها وعقائدها من قبل مئة ألف سنة، حفظت لنا منها القليل المجمل أخبار تتناقلها الأجيال، منها قصة نوح ـ عليه السلام ـ والطوفان والسفينة، ومنها العمالقة وعظمتهم، وأن اليمن كانت موطن العمالقة الأولى، وأنهم من العرب البائدة، وسلفا لمن تلاهم من عاديين، ومن تلاهم من كلدانيين وعدنانيين وقحطانيين وغيرهم من أمم حدثتنا عنهم الأخبار، وأيدتها الكتب المقدسة والآثار في أحيان كثيرة. ولقد كان خصب الجزيرة واعتدال مناخها المبكر من عوامل قيام هذا الإنسان على تربتها قبل غيرها.. ثم لتعرضها للجفاف المبكر."1

 

مضيفا: "يكون اليمن هو الحقل الذي نبت عليه الإنسان الأول قبل مئة ألف سنة، حين كانت أوروبا بغربها، ومعظم الكرة الأرضية في غلاف الجليد الرابع الرهيب الذي لم يجعل الإنسان أن يتبرعم على أرض فرنسا وأسبانبا إلا بعد سبعين ألف سنة"

 

مفترضا أن المسيرة الأولى للإنسانية قد ابتدأت من فوق تربة اليمن نحو مدينة العالم القديم، ومشيرا إلى أن معبودات قوم نوح ـ عليه السلام ـ تحمل أسماء يمنية. أما قصة ابنه سام من بعده فهي أكثر وضوحا من حيث مسرحها وجغرافيتها.

 

وقد عثرت البعثات الأثرية الاستكشافية مؤخرا على مجرى نهر عظيم ظل متدفقا إلى الألف السادس قبل الميلاد من مارب والجوف عبر رملة السبعتين إلى وادي حضرموت، التي تعتبر اليوم صحارى قاحلة.

 

وذكر المؤرخ ابن المجاور أن أودية تهامة اليمن كانت المصدر الرئيسي لأخشاب العمارة والسفن "الأودية التي تقطع منها الأخشاب لأجل العمارات من معاملة ذؤال، ووادي نبع ووادي ريمان ووادي عرم ووادي جابية والممدارة، وفي وادي زبيد سخمل والفائشي، وغاية شجرة الاسحل والسيسبان، وفي أودية الشام 3 وادي رماع ووادي الكدراء ووادي سردد ووادي مور، وجميع هذه الأودية يقطع منها الخشب لأجل العمارة"

 

ونستعرض هنا طرفا من الحالة اليمنية التي كانت عليها قبل الإسلام، حسبما ذكرت المصادر التاريخية، مع الجزم أن ما غاب واختفى من مظاهر الحضارة والرقي المدني أكثر مما ظهر وبرز، لأن اليمن لا تزال بكرا ولما يتم نفض التراب عن كنوزها الخفية بالصورة التي يجب، وهي كثيرة، على الرغم مما تمثله هذه الكنوز من قيمة مادية ومعنوية كبيرة، مع أن هذا الموروث قد تمت الإساءة إليه وتعامل معه البعض بطريقة تقليدية، خارج سيطرة الدولة ورجالات الاختصاص في هذا الشأن. وقد ذكر المستشرق "هاليفي" أن منطقة الجوف أغنى بقعة في الجزيرة العربية بالآثار، وله فيها وحدها ثمانون نقشا معينيا.5 وأنها أيضا رمز لمجد الدولة المعينية الغابرة.