القبة الحسينية.. ضريح تركي بـ"اليمن" ينتظر الترميم

الرئيسية  /  عن اليمن

القبة الحسينية.. ضريح تركي بـ
الساعة : 11:37
6 مارس 2022

تعيش المواقع الأثرية في محافظة تعز اليمنية (جنوب) واقعًا أليمًا، ففي الوقت الذي تحوّلت عشرات المواقع التاريخية إلى بقايا أطلال، لا تزال أخرى تصارع من أجل البقاء منها "القبة الحسينية" التي بُنيت إبان الحكم العثماني لليمن عام 1581.

 

وتحتضن مدينة تعز القديمة التي كانت عاصمة لحكم الأيوبيين (1173 - 1229) والرسوليين (1229 حتى 1454)، مواقع أثرية نادرة ضاربة في التاريخ وتعاني من التصدعات الخطيرة.

 

فإلى جانب "قبة الحسينية" تمتلك تعز عددًا من المواقع الأثرية الهامة على مستوى اليمن منها "المدرسة المظفرية وجامع الملك المظفر (بناهما الملك المظفر يوسف بن عمر وهو ثاني ملوك الدولة الرسولية).

 

بالإضافة إلى قلعة القاهرة التاريخية (مقر عدد من الدويلات التي حكمت تعز منها وخصوصا الدولة الرسولية والعثمانيون الذين حكموا اليمن على فترتين هما عام 1539 حتى 1634 ثم 1872 حتى 1918)، و"جامع معاذ بن جبل" وهو من أقدم المساجد في اليمن (بناه الصحابي معاذ بن جبل حين بعثه النبي محمد خاتم الأنبياء إلى اليمن ليعلّم أهلها).

 

ورغم التشققات التي تعاني منها "القبة الحسينية" تبدو القبة صامدة أمام الأنظار، ويقول عنها الصحفي اليمني زيد المجاهد (من أبناء تعز القديمة): "لا يوجد مكان فيه إهمال الآثار جليًا مثل قبة الحسينية التي تحوي ضريحين لاثنين من الولاة العثمانيين".

 

وأضاف المجاهد لمراسل الأناضول: "من حسن الحظ أن القبة التي تصادف الزائر لمدينة تعز القديمة عبر "باب موسى"، تقع في شارع فسيح حال دون خنقها بالمباني المجاورة، تمهيدًا لهدمها، وإلا كانت قد أصبحت ركامًا".

 

وكغيرها من مواقع تعز الأثرية، كانت القبة التاريخية، مهددة بالتحوّل إلى كومة أحجار لولا تدخّل تركي متأخر عبر مكتب وكالة التنمية والتعاون التركية "تيكا" التابعة لرئاسة الوزراء التركية في محاولة لإنقاذها.

 

وأعلن فاروق بوزكوز، رئيس تيكا في اليمن، عن نية تركيا إعادة ترميم قبة الحسينية، خلال زيارة استطلاعية قام بها إلى مدينة تعز أواخر يناير الماضي ولقائه بمسؤولين محليين في تعز.

 

ولا يعرف كثير من السكان المحليين لمدينة تعز معلومات عن تلك القبة الضخمة لكن الخبير الأثري، العزي مصلح، قال للأناضول: " إبان الحكم العثماني قدم حسين بن حسن باشا إلى تعز كوالٍ عليها من قبل تركيا، وعقب وفاته تم بناء القبة في العام 1581م هجرية لتضم ضريحه وضريح أحد الأغوات الأتراك بجانبه (جمع أغا، وهي كلمة فارسية، تطلق على الشيخ، أو السيد، أو الرجل الكبير، أو رئيس الخدم(.

 

ويستند الخبير الأثري، الذي عمل مديرًا لمكتب الآثار في تعز سابقًا، إلى المؤرخ اليمني عبدالصمد الموزعي الذي تحدث في كتبه عن التواجد العثماني في اليمن، أن "حسين باشا" بنى القبة في البستان الذي يلي المدرسة المظفرية في طرف البستان تحديدًا قبل أن يتحول المكان حاليًا، إلى تجمع سكني مزدحم يضم آلاف المساكن.

 

ونفي "مصلح" أن تكون القبة الحسينية حاملة للنجمة السداسية اليهودية، قائلا للأناضول: "القبة بُنيت على الشكل السداسي أو الطبق النجمي، وهو شبيه بنجمة داوود لكنه نوع معماري قديم" .

 

وأضاف الخبير الأثري: "المؤرخ الموزعي وصف حسين باشا بـ"الرجل الفاضل"، وأنه أفضل من ولي من الأتراك في اليمن، حيث قام بشق الطريق إلى منطقة الُعرضي (المتحف الوطني حاليًا)، كما قام ببناء مصلى العيدين (حل مكانه مكتب التربية والتعليم في شارع جمال عبدالناصر).

 

وعانت القبة في العقود السابقة من إهمال واندثار واسع، وصل إلى تدمير من أولئك الذين يفسرون التواجد العثماني بنظريات مختلفة كالغزو، أو التواجد الطبيعي لحماية اليمن من البرتغاليين.

 

وتابع مصلح: "بغض النظر هذا تاريخ ومرحلة تاريخية يجب أن تُقدّر، القبة تعاني من تصدعات كبيرة لا يمكن حلّها إلا بالقضاء على الأسباب التي أدت إلى تشقق القباب في سطحها، ففي الجهة الشرقية والجنوبية من جدارها سكنت أشجار كبيرة ساهمت جذورها في تشققها".

 

وبحسب خبراء فإن سوء استخدام "القبة" هو سبب الحالة المتردية التى وصلت إليها وبعد أن كان الطابق الأول منها يستخدم كـ"مخزن أسلحة" في العصر المظفري جاء الإمام أحمد (الدولة المتوكلية 1918 – 1962م)، واستخدمها كـ"مخزن للوقود".

 

وسقطت إحدى المشرنفات "دربزينات الزينة"، التي تلتف حول القبة، وأوجدت فجوة في قاعدة القبة، وبجوارها فاستحدثت بئرًا في تسعينيات القرن الماضي نتج عنه إصابة محيط جدار القبة من الناحية الشمالية الشرقية برطوبة عالية.

 

وفي وقت يُنتظر فيه أن تقوم السلطات المحلية في تعز بعمل دراسة جدوى للقبة الحسينية، وتسليمها لمكتب "تيكا التركية" من أجل ترميمها، فإن خبراء يتخوفون من ترميم يطمس هويتها السابقة.

 

وترتبط اليمن وتركيا بروابط اجتماعية وثقافية أزلية، أبرز تلك الروابط الأعداد الهائلة من العائلات اليمنية، التي أقامت وتقيم في تركيا، وكذا العائلات التركية التي فضلت البقاء في اليمن، ولم تغادر البلد، عقب مغادرة العثمانيين في العام 1918.

 

ويتذكر اليمنيون أن الأتراك لهم بصمات لا تنسى في حقبة تاريخية حاسمة في تاريخ اليمن، مستشهدين بتصريح عبد الكريم الإرياني المستشار السياسي للرئيس عبد ربه منصور هادي، في ندوة عقدت قبل 3 أعوام في العاصمة صنعاء، والذي قال فيه: "لولا الاندفاع العثماني للدفاع عن البحر الأحمر لكانت اليمن وقعت فريسة للبرتغاليين، وربما بعدها للهولنديين، ولكن بفضل الدولة العثمانية تمت حماية اليمن من التدخل الأوروبي"