حميد الذي يتحدث الإنجليزية

الرئيسية  /  الأرشيف

حميد الذي يتحدث الإنجليزية
الساعة : 22:48
22 مارس 2006

 عبدالرحيم محسن - نيوزيمن - 22 مارس 2006  

- شهدت قاعة فندق يمن موفنبيك في أمانة العاصمة اليمنية أواخر فبراير الماضي حفلاً خطابياً أقامته شركة "سبأفون" بمناسبة نجاحها في الاستحواذ على ثقة مليون مشترك ولفت نظري في هذا الحفل شيئان: الأول فخامة القاعة المؤثرة على الزوار، أما الثاني فهو حميد بن عبد الله بن حسين رئيس مجلس إدارة الشركة المضيفة وهو يلقي الكلمة باللغة الإنجليزية على الحاضرين وجلهم من اليمنيين.
إذاً، أصبح "حميد" يتحدث باللغة الإنجليزية ليس بوصفه شيخاً من حاشد بل لأنه رجل أعمال من اليمن حيث أن رجل الأعمال "رأس المال" لا يعترف بالأوطان الصغيرة بل يؤمن بالأسواق العالمية وهو ما أكده الرأسمالي الصناعي والمالي منذ الغزو العالمي الأول حتى العولمة الحالية.
إذاً حميد خلع قميص الوطن – القبيلة الضيق ليرتدي القميص العالمي وهو ما حدى به للإعلان عن نقده لعوائق تحويل الخدمات المؤمننة إلى خدمات مخصخصة لكي تمنح الرأسمال المستثمر حرية الحركة وحرية التعبير أيضاً وحرية التأثير والاستقطاب السياسي.
إذاً، حميد الأحمر الذي يدير "مجموعة الأحمر التجارية والاستثمارية" أفصح في خطابه إنه ليس شيخاً تقليدياً بل هو الآن رجل أعمال من طراز جديد ولديه كفاءة إدارية تمكن بها من صنع النجاح الباهر الذي يترجمه في مطالبه أن يكون لليمن وجه مستقبلي مشرق بتكريس أولاً دولة القانون كحد أدنى ودولة الحداثة كحد أقصى.
في أول لقاء بيني وبين حميد دار الحديث عن دور القبيلة في اليمن كان ذلك قبل خمس سنوات تقريباً في مركز دراسات المستقبل لم يتحدث كثيراً بل كان مستعجل للرحيل. اكتفى بالقول: إن القبيلة هي الشعب اليمني وأن الشعب اليمني هو القبيلة وإن القبيلة هي الأساس، هو لم يستمع إلى وجهة نظرنا المختلفة والقائلة بأن القبيلة في اليمن تتخلع وأن الشعب اليمني ليس هو القبيلة غير أنني اعتقد أنه قرأ الموضوع في صحيفة "البيان" الإماراتية حينذاك.
وفي بحر خمس سنوات حدثت تطورات وقفزات وأحداث محلية ودولية لعبت دوراً في محيط "مجموعة الأحمر" حيث توسعت الأعمال التجارية والاستثمارية والتي جلبت بالضرورة منافسة وحسداً وتربصاً من أطراف متعددة بعضها كانت شريفة وبعضها طفيلية وغير شريفة.
كانت سنة 2002م منعطفاً في مسار العلاقات بين المجموعة الطموحة بقيادة حميد الأحمر وبين المجموعة الطفيلية في قيادة السلطة السياسية وشكلت حادثة الصدام في 29سبتمبر 2002 بين أحد أبناء الشيخ وبين أطقم من قوات الأمن بداية الإشكالية والتي وصفها الشيخ عبد الله في مقابلة مع صحيفة الأمة بتاريخ 3-10-2002م بأنه حادث عادي وبسيط ومثل غيره من الحوادث لكن أرادوا أن يجعلوا منه قضية كبيرة قضية تختلف عن غيرها كما قال الشيخ أيضاً في سياق المقابلة: "لا أحد بينافس الرئيس وأولاده أبداً لا احنا ولا غيرنا ولا يمكن"، وتسارعت الأحداث دافعة السلطة إلى إبداع العجائب بخروج صحيفة الحاكم "الميثاق" بحلة رديئة تسب وتجرح الشيخ عبد الله وأولاده بدون سابق إنذار غير أن الشيخ تجاوز الفخ. ويسير "حميد" بخطى أكثر ثباتاً عبر دروب داخلية شاقة متحدياً التسريبات الحكومية حول نشاطه التجاري قائلاً لهم: أتحدى هذه الدولة (الحكومة) أن تضبطنا في مخالفة أياً كان نوعها وبدأ يشدد على الشفافية والمراقبة والمحاسبة وفقاً للقانون واستناداً إلى الدستور.
ولكن قضية الفساد في قطاع النفط كانت هي التي قصمت ظهر البعير.
الفساد في النفط والحضور الإيجابي في البرلمان وقصة النجاح الإداري أثاروا الغبار على "حميد" وأخرجت العفاريت المتمترسة من قمقمها لاتهام الرجل "بالعمالة" للقذافي بهدف قلب نظام الحكم في جمهورية لم يبق منها سوى العلم ونشيد الفضول المحرف.
لم أتابع الصحف التي نقلت خبر حصول حميد على مليوني برميل نفط من القذافي بقيمة 120مليون دولار بل قرأته في مقال لناصر يحيى في "الصحوة" عدد 1013 الأمر الذي دفعني لمناقشة قصة "عمالة" طرفها "حميد" رجل الأعمال وربما أخيه "حسين" العضو القيادي في حزب الحكم والطرف الآخر القذافي كقائد لنظام فردي مطلق، ونظام حكم فردي مطلق في اليمن.
القصة ظهرت بصورتها البشعة بعد خطاب النجاح الذي ألقاه "حميد" في حفل "سبأفون" متزامناً مع موقف اللقاء المشترك خاصة التجمع اليمني للإصلاح بشأن "النضال السلمي الديمقراطي" المكثف في خطاب الأستاذ اليدومي وانتخابات الرئاسة القادمة في سبتمبر 2006م كما أن للمسألة أكثر من وجه من وجهة نظري الشخصية.
وهي أولاً قضية سياسية بامتياز وقضية وطنية بكل ما تحمل الكلمة من مشروع وطني للتقدم والتطور في بلاد جمرها فساد أهل الحكم وسيادة وثقافة الهمج.
وهي ثانياً قضية اقتصادية تتعلق باقتصاد السوق وقانونية الاقتصاد ودور الاقتصاد الموازي حيث يرفض "حميد" الاقتصاد الموازي المتورط فيه قيادة السلطة وأبنائها الطفيليين.
وهي ثالثاُ قضية مقامرة السلطة الحالية لدفع البلاد إلى الفوضى ابتداء بجر الأطراف المسالمة إلى مائدة الاستفزاز ثم المواجهة إذ أن صحيفة "البلاغ" في عددها (455) الصفحة الأخيرة نشرت خبراً مسربا يفيد أن الأمريكيين يشتبهون بتورط مجموعة الأحمر بتمويل الإرهاب ويأتي ذلك ارتباطاً بجملة "تخوين" حميد وحسين عبر القذافي الذي ولى وجهه نحو إفريقيا ولم يعد يهتم باليمن كما كان عليه الحال قبل فشل انقلاب الناصريين عام 1978م.
والسؤال هو: هل "حميد" بحاجة إلى أموال "القذافي" في الوقت الذي ولى القذافي وجهه نحو إفريقيا ولم قادراً على تمويل انقلابات في اليمن أو غيرها.
إن "مجموعة الأحمر" بقيادة "حميد" من أكبر المجموعات التجارية في اليمن بعد مجموعات أخرى كمجموعة هائل سعيد أنعم وهي تمتلك رأسمالاً ضخماً (مليارات الريالات) وملايين الدولارات وتستطيع توفير فرص عمل لعديد من الكتاب والصحفيين والأكاديميين على غرار ما فعل "رفيق الحريري" في لبنان والذي تحول سياسياً واجتماعياً واقتصادياً إلى رقم صعب لم يتمكن أحد من تجاوزه.
العقلية المسكونة بالمرض هي التي تفرز هكذا سلوك عدواني لا يقبل بالأمور كما هي نظيفة وشفافة.
120
مليون دولار يقذفها القذافي إلى خزانة حميد دفعة واحدة ويعلم بها الحاكم دون اتخاذ إجراءات وقائية لحماية "الثورة" و"الوطن" و"الوحدة" و"المنجزات" العظيمة أمر غريب وعجيب وتقاعس في أداء المهام الدستورية.
أن يستمل حميد مليوني طن من النفط الليبي كتاجر من حقه أن يبرم الصفقات المحلية والإقليمية والعالمية لتسويقها كوسيلة لتنمية رأسماله شأنه شأن شركة دبي لإدارة الموانئ التي عملت ضجة أمريكية، فهو حق قانوني مكتسب تسمح له قواعد السوق الحرة غير أن خيالاً مريضاً كخيال حكامنا يستدعي الاصطفاف العام من أجل وقف تداعيات الكارثة القادمة وحمل الحاكم على الرحيل بتقديم الاستقالة إلى مجلس النواب عاجلاً ليتحمل رئيس مجلس النواب صلاحياته الدستورية لدعوة الناخبين للانتخابات الرئاسة.
لقد بلغ السيل الزبى، وبلغت القلوب الحناجر وتهم "العمالة" و"الخيانة" وغيرها طالت كل المعارضين لهذه الدكتاتورية، فمن لم يدل بصوته "بلا" لهذا الحاكم فسوف يندم أشد الندم يوم غد.. اليمن تغلي كمرجل.. اليمن مصابة بفيروس الاحتقان السياسي والجهوي و الطائفي.. اليمن على شفة حفرة من الموت.. اليمن تصرخ من البؤس والعذاب.. اليمن ممحونة بعصابة لم يتردد "بوروز" من وصفها بدولة اللصوص و"لصوص الدولة".
هي بلد "حميد الذي يتحدث الإنجليزية كما هي بلد الجندي "القعقوع" و"صائل" المسحولين تحت قيادة بعض من قادة الجيش ..فهل منكم أيها القراء من سيقبل استمرار وضع كهذا ولثانية واحدة من هذا الزمن!؟