بقلم/ أحمد غيلان - الموتمر نت - الخميس: 14 أكتوبر 2006
- • الشيخ حميد خرج إلى سوق السياسة وإرتداده عن الأساليب الديمقراطية سيكون وبالاً عليه قبل غيره .
• ظهور حميد الأحمر كمشروع زعامة قبلية أو سياسية- يفرض عليه مترتبات لا بد أن يقبلها ويتحملها .
• مثلما أن أضواء السياسة قد تنير دروب الصعود، فإنها كذلك قد تحرق الجسد..
• اجترار ثقافة التسلط والتهديد لم يُعد مجدياً لمن يقتحم واجهة الأضواء السياسية .
• العودة إلى ( مغواش العكفة ) سقوط جديد .
كٌنت واحداً ممن استبشروا خيراً بخروج الشيخ حميد الأحمر إلى واجهة السياسة ومربع الحوار وحلبة المقارعة بالعقل والكلمة والمنطق والخطاب ، رغم تحفظي على ما كان يطرحه الشيخ حميد من شطحات تعتسف الحقائق، وتجافي المنطق وتقفز على أبجديات العمل السياسي السلمي .. وتخترق قيم المنافسة الشريفة والخطاب التنافسي الديمقراطي المتحرر من عُقد (الأنا) ونزعات التبجح والتطاول والتعالي وسيكولوجية القفز على الثوابت ،وتستغفل عقلية المخاطب، وتبدي كُفراً بواحاً بشرف الخصومة .
ورغم كل ذلك أعلنت عن سروري واستبشاري بخروج الشيخ حميد إلى الواجهة -كمشروع سياسي- محاور يخاطب الآخر ، ويقارع المنافسين بالخطاب والتصريح والحجة والكلمة ، بدلاً من وسائل الحوار والمقارعة بـ"المعابر " والبارود وبنادق "العكفة" وشبريات "الغرَّامة" وتدعيات (عصابة رأسي )..!
بل إني عبّرت وبقناعة وبصدق عن شكري وتقديري للزملاء الصحفيين الذين اجروا حوارات صحفية مع الشيخ حميد أو تناقلوا أو كتبوا عنه أو بأسمه تصريحات أو أخباراً أو تناولات صحفية " وهذا الكلام مكتوب ومنشور في الصحف " .
وعلى الرغم من أن الكثير ممن تابعوا ظهور الشيخ حميد الملفت للانتباه على صفحات الصحف ومنابر الخطاب والترويج قبيل وإثناء الحملة الانتخابية للرئاسة والمحليات لاحظوا مؤشرات البحث عن " زعامة " وملامح الرغبة في الظهور كرقم كبير وواجهة ذات ثقل وتأثير سياسي وقبلي غير مسبوق للشيخ حميد ..إلا أني – شخصياً – لا أتحفظ على ذلك وليس لدي موقف شخصي منه ، وأعتبر مثل هذا الطموح أبسط حق من حقوق الشيخ حميد كمواطن وسياسي وشخصية اجتماعية متطلعة ، حتى وإن اختلفت معه في كل توجهاته وأطروحاته .
بل إني اعتبرت خروج الشيخ حميد إلى هذا الجو ودخوله هذه المرحلة المتطورة حالة متقدمة في حياة الشيخ حميد سيكون لها أثر ايجابي في حياة المجتمع ومحطة مهمة في مسار واقعنا السياسي الديمقراطي الاجتماعي .. وأكثر من ذلك أني تأملت في أن تكون هذه الحالة نموذجاً قد يستفيد منه بعض المشائخ والشخصيات الاجتماعية البارزة في بعض مناطق اليمن ، ممن لا يزالون منكفئين على أنفسهم ، يتقوقعون خلف سلوكيات وموروثات بالية ، تحت مسمى " العادات والتقاليد القبلية " وتحديد اً منها التعصبية المنغلقة والأكثر ميولاً للفوضى والعنف ، والأكثر بُعداً عن قيم التسامح والمحبة والحوار والقبول بالآخر والتعاطي مع المتغير الاجتماعي والسياسي والفكري والحضاري الحديث المتمثل في النهج الديمقراطي
- دافع لمن بقي خارج السرب -
أقول أني تأملت أن يكون دخول الشيخ حميد مضمار السياسة والعمل الحزبي والتنافس السلمي والخصومة المشروعة ، والصراع السياسي - غير الدموي وغير التقليدي وغير المتخلف – يمكن أن يكون دافعاً مهماً يحّفز قوى وشخصيات ورموز اجتماعية و قبلية ما زالت تحلق خارج الفضاء الديمقراطي بعيداً عن متغيرات الراهن .. متمنطقة بموروثات لم يعد واقع الحياة السياسية والاجتماعية يتقبلها أو حتى يحتمل ظهورها، بعد أن سقطت مبررات بقائها وكل موجبات التمسك بها.. أو اجترارها إلى حاضر فرضت متغيراته أساليب ووسائل وقنوات وقواعد جديدة للحضور والظهور والمنافسة والنفوذ والسلطة وحتى الزعامة .. في إطار مشروع ديمقراطي يتيح لكل مواطن حق المشاركة والتسابق والتنافس ليس فقط على الوجاهة والنفوذ والظهور والتصدر والزعامة على مستوى فئة أو أسرة أو جماعة أو قبيلة أو حزب، بل وعلى مفاصل السلطة في جميع مستوياتها . بدءاً من رئاسة الفصل الدراسي في المدرسة الابتدائية وانتهاء بكرسي رئاسة الجمهورية .
كنت وكان كثيرون مثلي يظنون بأن التغيير الذي طرأ على حضور الشيخ حميد الأحمر خطوة أولى سوف تتبعها خطوات منه ومن غيره ، وخصوصاً مَّمن يلتقون مع حميد فكراً وإيديولوجية وعقليةً وثقافةً وموروثاً اجتماعياً أو حتى تجمعهم قواسم مشتركة ،و سيكون لهذه الخطوة أو الخطوات أثراً في التخلص من رواسب ماضوية ، وطي صفحات التخوفات المجترة من مفاهيم علقت بوعي الناس ونظرتهم التي رسختها سنوات مضت وشهدت الكثير من السلوكيات والأحداث والتصرفات غير المتسقة مع تطلعات الشعب نحو مجتمع مدني ديمقراطي حديث، تسوده العدالة والحرية والديمقراطية والمواطنة المتساوية، في ظل نظام وقانون وتشريعات يتساوى أمامها الجميع في الحقوق والواجبات والمسئوليات.. ويتمايز على أساسها أبناء الشعب بعطاءاتهم الخلاقة ، وبذلهم المخلص وما يقدمون لوطنهم وشعبهم من خدمات ومنافع ، وما يرسمونه لدى الناس من صور لأنفسهم بأخلاقياتهم واستقامتهم وتسامحهم وانضباطهم وتواضعهم، والقيم التي يلتزمونها والقدرة التي يبدونها على التعايش السلمي والتعاطي النزيه مع كل متغيرات العصر، بما فيها التنافس الشريف في كل مجالات الحياة بطرق مشروعة ووسائل متحضرة.. ليس منها على الإطلاق كل ما له علاقة بالعنف أو الإرهاب أو التهديد أو التعصب الأعمى أو الاستقواء بما ليس مشروعاً ولا مباحاً ولا مقبولاً .
- مؤشر .. تأثير ايجابي
نعم قلت وظننت وتأملت (وفي خضم الحملة الانتخابية وأنا في الجبهة المضادة لجبهة حميد) أن خروج حميد من ( مغواش العكفة ) وتسلحه بسلاح العصر ، نقلة نوعية في حياة حميد سيكون لها أثر ايجابي عليه أولاً.. وعلى القبيلة ثانياً ..وربما على المجتمع والحياة الديمقراطية برمتها ثالثاً .. واليوم أكرر هذا القول بقناعة، بل وأجزم مع هذه القناعة أن أي تراجع أو ارتداد أو حتى محاولة للعودة إلى أزمنة الغوغاء وتلافيف الفوضى لن تجلب للشيخ حميد سوى الخسران والنكوص والانهزامية ، وقطعاً لن يشفع له الانسحاب من مضمار السياسة المشروعة إلى المضمار القديم المظلم ، بل أنه -وإن تصور أن العودة إلى ذلك المضمار ستحميه - لم يعد قادراً على الاختباء أو التستر أو الهروب من معركة دخلها وسوقٍ خرج إليه .. بصرف النظر عما إذا كان خروجه إلى سوق السياسة بإرادته أو أنه قد أخرج إلى هذا السوق مدفوعاً بإرادة غيره .
- حميد دخل السوق
بمعنى أن حميد الأحمر أصبح واجهة سياسية وبصرف النظر عن حجم ومكانة وتأثير هذه الواجهة إلا أنها غدت واجهة معرضة للنقد ومطروحة للنقاش ومكشوفة للرأي العام ، وغير محصنة من التناول والنقاش والمحاورة والاستهداف بالكلمة والرأي والكتابة والتحليل والدراسة والتعريض وحتى المناكفة والاستفزاز الذي قد يصل حد الإساءة .. وما على حميد – بل ليس أمامه – إلا أن يتكيف مع وضعه الجديد ويتجنب السقوط في هاوية التراجع عن مشروع الزعامة والنضال والحضور الفاعل والمواجهة بالسياسة والمنطق والحّجة والحكمة والحوار السلمي ، وليس بأي شيء أخر ، مع الحذر من الأخطاء والتجاوزات لأن ( حميد خرج إلى السوق ) بقوة .. ومع خروجه القوي والملفت اقترف الكثير من الأخطاء وتجاوز الكثير من الثوابت والمحظورات والحواجز والخطوط الحمراء الأكثر حساسية وخطورة من الخطوط والحواجز والأسوار التي يظن حميد أنها تحيط به أو تحميه .. ولولا أن ذلك التجاوز والتطاول جاء في خضم معركة انتخابية لكانت النتائج مختلفة ولما برزت إلى السطح ( تخريجة ) تشفع لحميد وأمثاله ممن تجاوزوا كل الخطوط والحدود والثوابت على نحو ما سُمّي مجازاً ( حُمى الانتخابات ) وقل هذا وذاك لولا النهج الديمقراطي المتكامل الذي أطلق عنان الحريات وفتح أبواب التسامح والحوار وكفل حق التعبير والاختلاف ، لما وجد الشيخ حميد ولا غيره متسعاً لمجرد الظهور بنهج مختلف أو رؤية مضادة ناهيك عن المجاهرة بالتجاوز أو التطاول أو الإساءة ..
- مشروع زعامة ومترتبات
من موقع المختلف مع الشيخ حميد – نهجاً وفكراً وتوجهاً – أقول أن خروج الشيخ حميد إلى ساحة السياسة كمشروع واجهة – وربما زعامة – سياسية واجتماعية يُعد حسنة من حسنات الديمقراطية .. ومهما كانت سلبيات هذا المشروع – من وجهة نظر أي خصم سياسي -فإن له ايجابيات وحتماً ولا بد فإن له تبعات وأثار ومترتبات ، جزء منها لابد وأن يتحملها ويتقبلها الشيخ حميد بقناعة ورضى ، ودون تذمر أو انفعال أو تعصب أعمى أو تهور أو حماقة أو عاطفة نرجسية ساذجة ، لأن "السياسة لا تقبل العاطفة ولا الحماقة ".
أبسط هذه المترتبات والتبعات التي يجب أن يتقبلها الشيخ حميد ويتحملها بروح رياضية عالية أن يؤمن الشيخ حميد بأن الذين أيدوه وصفقوا له واستبشروا به واعتبروه بطلاً وزعيماً حين منح نفسه حق التطاول وتجاوز الثوابت والحواجز الخطوط الحمراء – فضلاً عّمن عارضوه في ذلك باتت لديهم قناعة بألا مشكلة ولا خطر في تجاوز أي خطوط أو حواجز أو محاذير أو أسوار تحيط أو تحصن أياً كان بما في ذلك ، بل على وجه الخصوص ما يحيط منها بالشيخ حميد الأحمر الذي أعلن عن نفسه واحداً من أبطال تشريع التجاوز والقفز على الخطوط الحمراء والحواجز والمحاذير والأسوار .
- مؤشر نكوص
أكتب هذه التناولة الحوارية مع الشيخ حميد في خضم ما يثار حول تهديداته بتصفية الزميل الصحفي الأستاذ علي حسن الشاطر – رئيس تحرير صحيفة (26) سبتمبر – على خلفية نشر الصحيفة قصيدة شعرية زعم أو ظن الشيخ حميد أنها تضمنت إساءة شخصية له أو هكذا تتداول وسائل الإعلام .
وبصرف النظر عمّا إذا كانت ثمة إساءة أم لا في القصيدة موضوع الخلاف ، وبصرف النظر أيضاً عّما إذا كان ثمة ما يؤكد أن الشيخ حميد الأحمر كان مقصوداً بما جاء في تلك القصيدة فإنها تظل قضية رأي وأجدى وأسلم للشيخ حميد أن يتعاطى معها وفق خيارات أفضل وقنوات مشروعة سواء بالرد والتعقيب أو باللجوء للقضاء ، أو حتى بالتجاهل .
أما أن يكون بالفعل قد تهّور وهّدد رئيس تحرير الصحيفة بالتصفية فذلك أمر لم يكن الشيخ حميد بحاجة له في أي وقت وفي هذا الظرف على وجه التحديد ، لأنه ليس إلا انتكاسه سريعة وسقوطاً جديداً لا يحتمله الشيخ حميد الذي لم يفق بعد من خيبة الأمل التي مُني بها جراء النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الرئاسية والمحلية .. وتلقى من خلالها الشيخ حميد والتحالف الذي عمل في إطاره صفعة لم يكن يتوقعها أحداً منهم ، على الرغم من أن الشيخ حميد حقّق " لشخصه " شيئاً من الظهور والنجومية خلال هذه الانتخابات بغض النظر عن نتائجها .
قد يقول قائل بأن مثل هذا الطرح يعطي الشيخ حميد الأحمر أكثر من حجمه ومكانته وأثرة ,, غير أن القراءة الواقعية المحايدة والمتأنية لمعطيات ماجرى وما يجري علاوة على مفردات المحيط الذي جاء منه أو يدور فيه الشيخ حميد الأحمر تؤكد أن هذا الرجل أقتحم منصة الظهور – بصرف النظر عن الطريقة التي أقتحم بها هذه المنصة – وأن واقعه وما بدى علية يجعل منه قضية سياسية وإعلامية ساخنة ومثيرة في أي مكان كان ، وفي أي اتجاه سار .. وأن هذا الحضور والظهور والواقع الجديد الذي يعيشه لم يعد يتيح له من خيارات سوى التعاطي معه بعقل وحكمة وحنكة وسياسة وليس بأي وسيلة أخرى أو شيء أخر .
وأن أي خطأ أو تهور أو حماقة أو حتى هفوة سيكون لها مردود سلبي عكسي على حميد قبل أي شخص غيره لأن أضواء السياسة مثلما تظهر الإيجابيات تبدي السلبيات أيضاً ، ومثلما تكشف أوجه القوة تكشف مواطن الضعف ، ومثلما تضيء الدرب فإنها قد تحرق الجسد ، ومثلما تنير دروب الصعود إلى القمة فإنها قد تدفع إلى الهاوية..