حميد الأحمر والديمقراطية

الرئيسية  /  الأرشيف

حميد الأحمر والديمقراطية
الساعة : 23:12
17 أكتوبر 2006

علي عرجاش  - نيوزيمن -  17 اكتوبر  2006

ما يتم تناوله في الصحافة هذه الأيام، والمتعلق بموضوع تهديد الشيخ حميد الأحمر للعميد علي الشاطر، على إثر نشر الثاني قصيدة مسيئة للأول في صحيفة ناطقة باسم القوات المسلحة يقود إلى استنتاجات مرتبطة بالديمقراطية التي تعيشها البلد، وكان آخرها ما جرى من انتخابات في العشرين من الشهر الماضي.
أما ما دار من حوار في التسجيل للمكالمة التي تمت بين الشيخ حميد والشاطر-إن صحت تلك المكالمة- فقد كان واضحاً استدراج الشيخ حميد نحو كلمة "بايلحقها رصاص"، والتهديد يحصل في بلدنا في كثير من المواقف الصغيرة والكبيرة- حتى على مستوى الإخوة، البائع والمشتري، المقوت والمولعي....إلخ، لكن العبرة بالأفعال فهل أقدم الشيخ حميد على فعله؟ أم أنه مجرد تهديد للتعبير عن رفضه للإساءة التي تعرض لها من قبل صحيفة يٌفترض أنها ملك للشعب، وتنظر إلى الجميع بعين السوية حكومة ومعارضة، لا أن تدخل الصحيفة نفسها في معارك سياسية وتنحاز لطرف ضد آخر وتتعرض لأشخاص بالسب والتجريح؛ مما يشير إلى أننا نتجه اتجاهاً خاطئاً في ممارستنا للعملية الديمقراطية، وعلينا أن نندد وندين هذه الممارسات مثلما نندد ب(التهديد).
إن ما جرى وما يجري لا يمكن بأي حال فصله عن فترة الدعاية الانتخابية لمرشحي الرئاسة، وبروز الشيخ حميد الأحمر بقوة كداع إلى التغيير- بل كان من أشد الداعين إليه-، وبذلك فإن هذا الموقف الذي سُجل ضده، كان سببا رئيساً في محاولة الانتقام منه، والنيل من سمعته، وهذا ما يتنافى كلية مع أبسط الحقوق التي كفلها الدستور والقانون، بل والقيم الأصيلة التي تربى عليها أبناء اليمن.
ولعل الشيخ حميد الأحمر لم يقترف جرما بوقوفه مع المعارضة وقفةً جادةً؛ مبتعداً عن مغريات السلطة وبريقها، رغم أنه يعرف أن ذلك سيفقده ميزات كثيرة وسوف يُحارب في أعماله، ويُنتقم منه بطرق شتى، ولذلك دائما أحيي كل من ينحاز إلى صف ليس فيه مصلحة شخصية، بل على العكس قد يكون فيه تضحية بمصالحه- كما حدث مع الشيخ حميد الأحمر_.
الشيخ حميد الأحمر من أبناء اليمن ووفقا لما تعيشه البلد من وضع ديمقراطي يسمح له بممارسة حقه السياسي منتميا لأي حزب وممارسا لكل أنشطة يقتنع بها طالما لا تتنافى مع الدستور والقوانين النافذة ومع مصلحة البلد، ولذلك فلا ينبغي أن نتحامل عليه لأنه اختلف مع السلطة ودعم مرشح المعارضة، وننسى كل إيجابياته والتي منها- بل وأهمها- في رأيي أنه انحاز إلى المعارضة التي ليس فيها مصلحة آنية.
إن احترامنا للشخص وتقديرنا له ينبغي أن لا يرتبط بانتمائه الحزبي أو المناطقي أو العشائري، بل يفترض أن يرتبط بقدر ما في هذا الإنسان أو ذاك من خير للبلد.
المُفترض أن نحيي الشيخ حميد على موقفه الذي أسهم في إعطاء الانتخابات لونا وحراكا غير عادي، وجعل للنصر معنى عند الذين حازوا على ثقة الشعب، وذلك بعد منافسة حقيقية غير هزيلة شهد الجميع بحقيقتها هذه. ولولا القوة التي نزلت بها أحزاب المعارضة والتي ظهرت في مهرجاناتها الانتخابية- لولا تلك القوة- وذلك الزخم؛ لكان الشعور بالفوز في الانتخابات مساويا –تقريبا- للشعور بالخسارة.
ولذلك فإني أذكّر بحقيقة هامة يعرفها الكثير، وهي أن قوة المعارضة يسهم في إعطاء معنى حقيقي للديمقراطية، إضافة إلى أن قوة المعارضة تعد في مصلحة الشعب؛ أما ضعفها فإنه يفرغ الديمقراطية من معناها الحقيقي، ومن هنا فإني أدعو كل العقلاء في السلطة والمعارضة إلى التعامل بأسلوب أرقى، وبنظرة تؤكد احترامنا لبعضنا البعض دون تخوين أو إساءة أو محاربة في المصالح والمنافع التي لا تتنافى مع حقوق الشعب ومصالحه.
وعليه فإن وقوف الشيخ حميد وأمثاله مع المعارضة ينبغي أن يُنظر إليه من هذه الزاوية، أما أن يتحول الأقوياء جميعاً إلى السلطة يبحثون وراء مصالحهم، فهنا نشيع مصالح الشعب ونودعها.
أتصور أن الشيخ حميد صنع لنفسه مكانة في قلوب الكثير من خلال مواقفه الجريئة والشجاعة سواء اختلفنا أو اتفقنا مع تلك المواقف، فهي تسجل في تاريخ هذا الإنسان، ومن حقه علينا أن لا نتجاوز في الإساءة إليه، إلا إذا كان ذلك يمثل توجها لقمع كل من يقف مناهضا للسلطة وينتقدها في بعض الأمور، ويدعو إلى مخالفتها، وأن الموضوع لا يعدو كونه تصفية حسابات فهذا ما أسجل تخوفي منه، وأعتبر أنه سيقضي على المناخ الديمقراطي الذي يمكن لنا أن نحلم به.
وإذا كان الشيخ حميد بثقله ومكانته الاجتماعية والسياسية والقبلية وثروته المادية يتعرض لهكذا تشهير وهكذا إساءة ومحاربة نتيجة لمواقفه التي ذكرناها؛ فكيف بقواعد وأنصار أحزاب اللقاء المشترك الذين قد يحاربون في أعمالهم ووظائفهم وحياتهم لا لجرم أو لسبب غير أنهم ناصروا المعارضة.
إنني وبقلمي المتواضع، وما أحمله من حب لهذا البلد أدعو إلى فتح صفحة جديدة ونسيان الانتخابات وما حملته من تداعيات، وأن نعذر من اختلفنا معهم في الرأي وأن نسعى لترسيخ ثقافة راقية في التعامل بين السلطة والمعارضة بعيداً عن الانزلاق إلى السب والشتم والتجريح والتهديد بكل صوره وأشكاله، معتبرين أن الجميع أبناء هذا الوطن الذي نعيش فيه ونأكل من خيراته، وأن علينا جميعاً أن نحافظ عليه، وأن نسعى للارتقاء به لنعيد تاريخه المجيد الذي تغنينا به كثيراً، ولن يعود إلا بتكاتف الجميع والاهتمام بقضاياه التي تستحق الاهتمام وليس الوقوف عند قضايا جزئية بسيطة.
إننا بحاجة أكثر من أي وقت مضى لتكاتف الجهود والاتجاه نحو تنمية حقيقة، وأن نتحدث عن قضايا وطنية كبيرة، يلتف حولها الجميع لا أن نضيع جهدنا في المناكفات والمماحكات ومحاول الانتقام ممن نختلف معهم.
إن فخامة الأخ الرئيس بما عُرف عنه من روح التسامح ونسيان الخلافات مطلوب منه اليوم أن يفتح صفحة جديدة مع خصومه السياسيين وأن يرفض الأساليب التي تسيء إلى غيره مثلما يرفض الأساليب التي تسيء إليه، فهو رئيس للجميع سلطة ومعارضة، وعليه أن يرعى الجميع وينظر إليهم بعين واحدة، وأن يتدخل لإيقاف مثل هذه المهاترات حفاظا على الأمن والسلم الاجتماعيين، والله من وراء القصد.