أبو الأمير العولقي - الخميس: 2009/08/06
تابع الملايين مقابلة الشيخ حميد الأحمر على قناة الجزيرة في برنامج بلا حدود التي ناقشت العديد من قضايا اليمن من صعدة إلى الضالع، و من الحراك إلى النظام الحالي. و ربما كان في مقدمة المتابعين الرئيسين صانعي الوحدة؛ أحدهما من قصره في دار الرئاسة و الآخر من منزله في ألمانيا. و آخرون كثيرون من صناع القرار في اليمن و اللاعبين الرئيسيين في السياسة اليمنية. كلهم يتابعون ما يقوله هذا السياسي الشاب صاحب النفوذ القبلي المتمثل في قبيلة حاشد و الثقل السياسي المتمثل في حزب الإصلاح و لجنة الحوار الوطني حديثة الإنشاء.
إن أول ما يلفت نظر المتابع لهذه المقابلة هي حنكة الرجل السياسية و فطنته و قدرته على الحوار و ربما حتى المراوغة في الإجابة على الأسئلة الحساسة التي كثرت بها المقابلة. تمنيت لو كان أحمد منصور هو مدير الحوار بسبب خبرته الأكثر بقضايا اليمن و تاريخه السياسي إلا أن المذيعة البديلة لم تكن أقل جهداً من إبراز الكثير من النقاط المهمة عن الواقع اليمني الحالي .
الشيخ حميد الأحمر ظهر اليوم أشد قسوة على السلطة و على رأسها الرئيس علي عبدالله صالح خصوصا أكثر من أي وقت مضى. فقد استغل الشيخ حميد كل فرصة للنيل من أخطاء الرئيس و نظامه و كان واضحاً في طلبه من الرئيس التنحي و قالها بأكثر من صيغة حتى قالها أخيراً صراحه و لم يغلـّفها أو يبطّنها بل و مضى محذراً الرئيس من مغبة تعيين أبنائه و أبناء أخيه في مناصب عسكرية حساسة - يقصد ابنه أحمد و أبناء أخيه محمد و هم يحيى و طارق و عمار- و هدده بأن ذلك قد يعرضه للمساءلة و أنّه بهذا يكون قد خالف الدستور و اقترف الخيانة العظمى!
لم أر أو أسمع أي سياسي يمني مهما كان صريحاً و شجاعاً أن يصل به مهاجمة النظام و شخص الرئيس إلى هذا الحد. فالشيخ حميد يبدو و أنه دخل المقابلة و هو مدرك ما سيكون للمقابلة من أهمية و أدرك أن فرصته في الحديث المباشر للشعب قد سنحت فأخرج ما بجعبته و وضع كل الكروت على الطاولة.
في حديثه الهادئ غازل الشيخ الشاب الكثيرين فبدأ بأهل الجنوب و ثم مرّ بالمديح على قبيلته و أخيه الشيخ صادق ثم مدح الحركة الإسلامية المتمثلة بحزبه التجمع اليمني للإصلاح و مدح الاشتراكي و لم يستثني أحداً من المديح عدا النظام ورئيسه. بل إنه لم يكتفي بعدم المديح للرئيس صالح و بالعكس قام بمهاجمته على جميع الأصعدة و أتهمه بتدمير اليمن و لم يترك الشيخ مجالاً لتبرير ما قاله أو تأويله فقد قال بكل وضوح أن السلطة فاشلة و أن علي عبدالله صالح يقدم مصلحته على مصلحة الوطن و أنه وجب عليه التنحي حفاظا على اليمن وعلى الوحدة.
في اعتقادي أن المقابلة هذه قد طرقت المسمار الأخير في نعش العلاقة بين الشيخ حميد والرئيس و هي بحق إعلان البراء و العداء بين آل الشيخ الأحمر وآل أحمر سنحان .
بالطبع فالشيخ حميد يدرك بهذا العمل أن الرئيس و الدولة بكل مؤسساتهم ستكون ضده و إن صحافة السلطة ستعلن الحرب الضروس عليه و على حزبه و تاريخ أسرته و أن تجارته ستتضرر أيّما ضرر و سيدفع ثمن هذا الحديث الكثير.
حاشد التي غازلها السياسي الشاب كانت أيضاً محور حديث في المقابلة، و حاشد التي ينتمي إليها حميد ينتمي إليها الرئيس صالح أيضاً فلمن سيكون ولاء حاشد مستقبلاً؟ بالتأكيد فإن الرئيس سيطلب من مشائخ حاشد و بقية المشايخ الإختيار و إعلان الولاء هل هم معه أم ضده. و لا بد للمشائخ من الاختيار بين حميد و المعارضة من طرف أو الرئيس و الدولة من طرف آخر و الإختيار الأنسب للكثير من المشائخ بالطبع سيكون ضد الشيخ حميد.
حميد الأحمر طبعاً يراهن عكس ذلك و ذاك واضح من خطابه الذي قال فيه أن حاشد طالما وقفت ضد الظلم و تقف دائما إلى جانب الحق و لكن لا يدرك الشيخ الأحمر الصغير أن حاشد اليوم ليست حاشد الأمس و أنها وقفت و اتحدت ضد الإمام بالأمس و لكنها لن تقف اليوم ضد أحد أبنائها و هو الرئيس صالح. فالمعادلة تغيرت و الأدوار اختلفت .
ربما أكثر من سيواجه هذا الإحراج في الإختيار هم إخوة الشيخ حميد أمثال الشيخ الأكبر صادق و الشيخ حمير عضو مجلس رئاسة البرلمان و حاشد نائب وزير الشباب و هؤلاء لهم علاقة جيده بالرئيس والنظام ككل ولكن تصرفات أخيهم وحديثه الليلة سوف يحيزهم إلى أخيهم بالطبع و يقصيهم عن الرئيس.
حاول حميد أن يخطب ودّ الجنوبيين أيضاً عندما تعاطف مع مظالمهم وطالب صراحة بأن يكون الرئيس القادم لليمن جنوبياً ليشعر أبناء الجنوب أنهم شركاء في الوحدة و في صناعة القرار.
هذه النقطة ستجمع حول الشيخ حميد الكثير من الأصوات الجنوبية و لكنها ستخسره الكثير أيضاً. فاليمن لم تصل إلى حد البلوغ الديمقراطي ليكون التبادل سلمي للسلطة بل وأن يكون الرئيس من الأقلية الجنوبية وليحكم الأكثرية الشمالية.
في الأخير، أقول أنه مهما قيل عن أن الرجل تمادى في هجومه على النظام إلا أنني - وسيوافقني الكثير- أعتقد أن حديث الشيخ حميد الأحمر كان صريحاً صادقاً في الصميم. و هو الكلام الذي نحتاجه اليوم لإنقاذ اليمن كل اليمن من الوضع السياسي و الإقتصادي المتردي. عسى أن يكون ما قاله مصلحة لليمن وشعب اليمن و يوقظ الله به همماً قد سكنت و ضمائر قد غفلت.
فقد كان حميد في المقابلة لسان حال الكثيرين وما أتى إلا بلب الحديث و صدقنا القول و لو أن الصدق مرّ .