نزار العبادي - صحيفة الجمهورية - 8 نوفمبر 2009
- سئلت ذات يوم عن القبيلة في اليمن، فوجدت ذاكرتي غارقة بصور تلك القبائل التي لقنت الاتراك والانجليز أقسى الدروس..
وتلك التي هبت من كل الأرجاء للدفاع عن ثورة سبتمبر وفك الحصار عن صنعاء، وتلك التي تصدت لعصابات التخريب في المناطق الوسطى.. وتذكرت أيضاً عشرات المشائخ الذين كانوا عنوان شموخ اليمن، ووقفت بكل إجلال أمام ذكرى الشهيدين الشيخ حسين الأحمر ونجله «حميد» اللذين بذلا نفسيهما في مواجهة الطغيان الإمامي.. وتساءلت : ياترى هل مازال بيننا مشائخ يضحون بالمال والنفس والوجاهة من أجل الوطن..!؟
لاشك لقد كان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر - رحمه الله - هو الانموذج الذي اجتمعت فيه كل خصال تلك الأسرة المناضلة، من شجاعة، وحكمة، وشهامة، وكرم، وتفانٍ في خدمة اليمن وشعبها، حتى إننا اليوم نجد أبناء اليمن في مختلف المحافظات يصفونه بـ«صمام الأمان»، ولا غرو في ذلك وقد كان حتى رئيس الجمهورية يناديه «ياعم»، ويستشيره في أمور البلاد، وحين توفاه الله بكى عليه بدموع حرّى ..
الشيخ عبدالله الأحمر- رحمه الله - نجح في كبح جماح النزوات والعصبيات القبلية لدى بعض القبائل، ونجح في ترويض بعض
المشائخ المتهورين، وكان كما أبيه يقدم اليمن على نفسه ومصالحه، ويقدس الوحدة ويرى في أي مساس بها مقدمة لاذلال اليمن وشعبها، لذلك كان يسارع لاحتواء أي خلاف سياسي لئلا ينعكس سلباً على تلاحم الصف الوطني اليمني.
بعد رحيل الشيخ عبدالله الأحمر إلى جوار ربه، لم تجد اليمن من يشغل الفراغ الذي خلفه ـ ليس بصفته شيخ مشائخ، وإنما بصفته «صمام أمان».. إذ إن جيل مشائخ هذا الزمان هم من نوع ذلك الشيخ الذي منذ بداية حرب صعدة وحتى اليوم وهو يتنقّل بين العواصم الخليجية، ولايجرؤ حتى على المبيت في منزله خوفاً من ان ينال منه الحوثيون ..!
مشائخ هذا الزمان - وأستثني منهم بعض الرموز الوطنية المشهود لها - عندهم الوطن ليس أكثر من تجارة ومناقصات، ومشاريع استثمارية خاصة، وأراضٍ مباحة للنهب العلني تحت تهديد السلاح.. أما العمل الوطني عندهم فهو لايتعدى حفنة من المال لشراء المرتزقة، والمطبلين، والمصفقين، بل وشراء الألقاب والمسميات السياسية المختلفة، لانهم لايملكون من المؤهلات الثقافية والفكرية والنضالية مايكسبون به ثقة الشارع واحترامه .
نعم.. بعض المشائخ في هذا الزمان أقرب مايكونون إلى " نيرون " ، الذي عندما وجد نفسه عاجزاً عن الإتيان بمثل روما فضل إحراقها عن بكرة أبيها، ليتساوى إفلاسه بخرابها.. لذلك تجدهم يلعبون على أوتار الفتن بين القادة في بلادهم،
ليس انتصاراً لاعداء الوطن من حوثيين وايرانيين، بل لانهم عجزوا ان يكونوا قادة، ويحظوا بثقة الشعب، ويحققوا انتصارات كمثل التي يحققونها.. فلذلك هم يلهثون وراء كل مامن شأنه مساواة الجميع بالسقوط والفشل والهزيمة ..
في كل أرجاء العالم هناك للمشيخة أعراف وأخلاقيات ولون رفيع من الحكمة.. لكن بعض من لدينا يعتبرون المشيخة بالتهور، والخطاب الطائش الذي لايضع احتراماً لكبير أو صغير.. وبالشهرة على مواقع الكترونية مبتذلة يديرها حفنة من المراهقين الباحثين عمن يدفع لهم ثمن " تخزينة القات " .
رحم الله الشيخ عبدالله الأحمر، فكل اليمنيين يجزمون اليوم بأن لاشيخ بعد الشيخ عبدالله، فقد كان أحكم وأنبل وأشجع المشائخ الذين أنجبتهم اليمن ..